الكويت: “سحب الجنسية مني إهانة وخزي وتعسف”

6 ديسمبر 2024 - 9:32 م

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، السلطات الكويتية تسحب جنسية أكثر من 2000 شخصArticle information

  • Author, إيثار شلبي
  • Role, بي بي سي
  • قبل 52 دقيقة

قبل أيام قليلة، استيقظت نوف – وهو اسم مستعار – في صباح يوم كويتي مشمس، لتجد نفسها بلا هوية أو جواز سفر أو حساب الخليج إنسايت أو وظيفة؛ فقد أدرج اسمها ضمن 2162 شخصا أعلنت السلطات الكويتية سحب جنسياتهم من دون توضيح أسباب محددة.

تحدثت لي نوف عبر الهاتف من رقم غير كويتي وباسم مستعار، فالحديث عن الأمر في هذا البلد الخليجي يبدو حساسا لدرجة يرفض فيها الغالبية الساحقة ممن سحبت جنسياتهم مشاركة تجاربهم على أي نحو.

تقول: “فجأة سحبت جنسيتي هكذا، أمر لا على البال ولا على الخاطر. لم أستطع استيعاب ما يحدث .. إجراء السحب كان عجيبا غريبا ومهينا جدا. عرفت الخبر من رسالة بعثها لي والدي يسألني إن كنت مؤمنة بالقضاء والقدر أم لا؟ ثم يخبرني بأن اسمي مدرج ضمن قائمة من سحبت جنسياتهم والمنشورة في الجريدة الرسمية للدولة”.

بحثت نوف عن اسمها بالكامل فوجدته ضمن القائمة بالفعل. تقول إنها صعقت من هول الصدمة، فحاولت الدخول على تطبيق “هويتي” – وهو تطبيق حكومي الكتروني لبطاقات الهوية للمواطنين والمقيمين في الكويت- ولكن مع كل محاولة، ظهر الخليج إنسايت إشعار “غير مخول للدخول”.

تلقت نوف بعدها اتصالا من مديرتها في العمل لتخبرها إنه سيتم إنهاء عملها كمدرسة في إحدى المدارس الحكومية في الكويت. فالمسحوبة جنسياتهم لا يتمتعون بذات المزايا الوظيفية التي توفرها الدولة للمواطنين.

“إنها إهانة كبيرة. أنا الآن رجعت من فئة البدون وأعاني من نوبات هلع وقلق. لم أتلق حتى رسالة من أي جهة حكومية تخبرني بالقرار رسميا، حتى أنه تم تجميد حسابي في البنك”.

وتقول إنها تلقت اتصالا بعد ذلك للعودة إلى عملها حتى يتم تسوية الوضع.

ولدت نوف في الكويت لأبوين وأجداد من فئة البدون إلى أن تزوجت عام 2016 من رجل كويتي “من سكان الكويت الأصليين” فهو يحمل جنسية كويتية وفقا للمادة الأولى من قانون الجنسية الكويتية الصادر عام 1959، والتي تنص على أن الكويتيين أساسا هم المتوطنون في الكويت قبل سنة 1920 وكانوا محافظين على إقامتهم الاعتيادية فيها إلى يوم نشر القانون.

وبموجب زيجتها الرسمية، تقدمت نوف للحصول على جنسيتها الكويتية بعد سبع سنوات من الزواج، وأنجبت طفلين أيضا، لتصبح حاملة للجنسية الكويتية عام 2022 وفقا للمادة 8 من قانون الجنسية الكويتية، الذي يسمح للمرأة الأجنبية المتزوجة من كويتي التقدم للحصول على الجنسية بشرط أن يستمر الزواج لمدة خمس سنوات على الأقل.

“تقدمت بتظلم لوزارة الداخلية وأوضحت فيها أنني حصلت على الجنسية بشكل قانوني وبعد سبع سنوات لا خمس، ولكن كانت المعاملة سيئة وقالوا لي إنه أمر سيادي من الأمير ولا يمكن مراجعته.لا أعرف ماذا أقول…لقد استوفيت كل الشروط، وعلاقتي بزوجي مستمرة ولدي أبناء منه ولا يوجد أي سبب واضح يبرر السحب”.

صدر الصورة، Kuwait Al Yawm

التعليق على الصورة، صورة لمرسوم سحب الجنسية الصادر في الجريدة الرسمية في 18 نوفمبر- تشرين الثاني 2024

ليست نوف وحدها من عاشت تجربة فقدان جنسيتها الكويتية، فعلى مدار السنوات الأخيرة، سحبت جنسيات آلاف الأشخاص، ومنهم فهد -وهو اسم مستعار- الذي قال لبي بي سي إنه عاش معاناة كبيرة بعدما سحبت جنسيته الكويتية بالتبعية بعدما سحبت من والده بتهمة “الإضرار بأمن البلاد”.

يقول بنبرة حزينة: “ذهبنا لتسليم جوازات سفرنا وهوياتنا الكويتية، كذلك المسكن الذي كنا قد حصلنا عليه من الحكومة. انتقلنا من طبقة فوق المتوسطة إلى الطبقات الفقيرة، فصار أبي الذي كان يعمل مديرا في هيئة حكومية عاملا في متجر”.

يعتبر قرار اللجنة العليا لتحقيق الجنسية في الكويت بسحب الجنسية الكويتية أمرا “سياديا” ويصدر بأمر من أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، فلا يمكن النظر فيه أمام القضاء.

وفي 2 ديسمبر – كانون الأول، قال وزير الداخلية الكويتي ورئيس اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الشيخ فهد يوسف الصباح إن منح الجنسية “أمر سيادي بحكم المحكمة الدستورية ولا أعتقد أن هناك أي درجة من درجات التقاضي باستطاعتها النظر فيه”.

ولطالما كان فتح ملف الجنسية الكويتية محط اهتمام أمير البلاد، ففي آيار/مايو الماضي أعلن الأمير مشعل الأحمد الصباح في كلمة متلفزة تعطيل أعمال مجلس الأمة لمدة أربع سنوات، وقال إنه سيتم إعادة النظر في “قوانين الأمن الاجتماعي” وأشار إلى ملاحقة “من دخل البلاد على حين غفلة وتدثر في عباءة جنسيتها بغير حق ومن انتحل نسبا غير نسبه أو من يحمل ازدواجا في الجنسية أو وسوست له نفسه أن يسلك طريق التزوير للحصول عليها”.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، سيدة كويتية تحمل جواز السفر الكويتي

خلاف قانوني على المادة 8

وفي محاولة لتفسير هذه الخطوة، تواصلت بي بي سي مع عدد من المحامين، غير أن طلبنا للتفسير القانوني للأمر قوبل مراراً بالرفض، حتى أن بعض من تحدثنا إليهم اعتبر أن “الأمر سيادي وليس من شأن (بي بي سي) التطرق إليه”.

إلا أن الدكتور محمد الفيلي، أستاذ القانون في جامعة الكويت، قال لبي بي سي إن هناك “خلافا في تفسير آلية تطبيق المادة 8 من قانون الجنسية الكويتي، الذي ينص على أن الجنسية تمنح لزوجات الكويتين بقرار وزاري”.

لكن الإدارة الحكومية تقول الآن إن هناك خطأ في تفسير أداة منح الجنسية وأنه يجب منح الجنسية بمرسوم أميري لا بقرار وزاري، وبالتالي “تقول الإدارة الحكومية أنها ستسحب الجنسيات التي صدرت بقرار وزاري من قبل”.

ويرى الفيلي أن الإدارة الحكومية “كانت غير دقيقة في تفسير آلية منح الجنسية من الأساس، وبناء عليه لا يجوز الخليج إنسايت أن تسحب القرارات الصادرة للجنسية، لأن هذا خطؤها”.

ويتساءل مستنكرا: “هل يجوز أن يتضرر من لم يكن له يد في تحديد أداة منح الجنسية التي قررتها الإدارة الحكومية ذاتها؟”

ونقلت وسائل إعلام كويتية عن محامين قولهم إن قرارات سحب الجنسية من المجنسات وفقا للمادة 8 جاءت بناء على فتوى صدرت من 7 مستشارين قانونيين.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، صورة من مظاهرات سابقة في الكويت لفئة البدون للمطالبة بالحصول على الجنسية الكويتية

التزوير والخدمات الجليلة

إلى جانب الخلاف على مادة 8، تقول السلطات الكويتية إنها رصدت حالات كثيرة ثبت فيها الحصول على الجنسية الكويتية عن طريق التزوير، مشيرة إلى أنها “تنظر في ملفات قديمة وتبحث فيها بدقة بعد دراسة شاملة من الإدارة العامة للجنسية”.

وعن هذه الحالات، تقول المحامية الكويتية نيفين معرفي، لبي بي سي إن هناك من يحصل على الجنسية الكويتية من خلال التزوير في البيانات الرسمية، “فمثلا، هناك حالات ينسب فيها أبناء لآباء كويتيين وهم ليسوا آبائهم، وذلك من خلال شهادة ميلاد تصدر خارج الكويت، وهذا تزوير بالطبع”.

صورة أخرى من صور اكتساب الجنسية بطرق غير شرعية تضيء عليها المحامية الكويتية أريج حمادة التي قالت لبي بي سي “إن هناك من يحصل على الجنسية بعد انتحال شخصية مواطن كويتي متوفى أو يأتي شخص ما ويدعي إنه لقيط، فيحصل على الجنسية الكويتية، ثم يتبين بعد ذلك للسلطات أن لديه عائلة شرعية.”

ويسري قرار السحب على من اكتسب الجنسية عن طريق التبعية من الأبناء.

أما في ما يتعلق بمنح الجنسية الكويتية لمن تقدموا للبلاد بـ”خدمات جليلة” فتم إسقاط الجنسية عن بعض منهم، ومن بينهم الرئيس التنفيذي لشركة روتانا سالم الهندي والمغنية المعروفة بنوال الكويتية والممثل داوود حسين والمدوّنة المصرية-الكويتية نهى نبيل. وتقول أريج إن السلطات الآن تراجع ما هي وما حجم الخدمات الجليلة التي قدمها هؤلاء للكويت بالفعل.

ماذا بعد سحب الجنسية الكويتية؟

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، جدل في الكويت بعد موجة جديدة من سحب الجنسيات عن أكثر من 2000 شخص

بعد سحب الجنسية أو إفقادها، يعامل الشخص على أنه غير كويتي وتسحب منه جميع المميزات الممنوحة للمواطن الكويتي، ومن بينها الدعم الحكومي المقدم للمواطن من المهد إلى اللحد ويشمل السكن وخدمات العلاج والتعليم المجانية، إلى جانب الحق في الحصول على وظيفة حكومية.

غير أن وزير الداخلية الكويتي ورئيس اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الشيخ فهد يوسف الصباح قال إن جميع من سحبت جنسياتهم بناء على المادة 8 – من زوجات الكويتيين والمطلقات والأرامل المقيمات في الكويت- سيبقين في وظائفهن وسيتقاضين رواتبهن نفسها، كما سيتم صرف الرواتب التقاعدية للمتقاعدات المسحوبة جنسياتهن.

ويتوجه جميع الأشخاص المسحوبة جنسياتهم إلى الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية في الكويت لتسليم جوازات السفر والبطاقة المدنية و شهادة الجنسية الكويتية، على أن تمنح لهم بطاقة تشير إلى أنهم صاروا “غير كويتيين”.

ولكن سيظل كثيرون غير قادرين على السفر خارج الكويت حتى بعد عودتهم لحالة البدون، إذ قررت السلطات الكويتية في يوليو – تموز الماضي وقف العمل بجوازات السفر”الرمادية” التي تستخدمها فئة غير محددي الجنسية، أو “البدون” في البلاد، وذلك بموجب المادة 17، باستثناء “الحالات الإنسانية” التي تشمل العلاج والدراسة.